فصل: بَابُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ:

(مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ) قَاصِدًا دُخُولَ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ بَلْ أَرَادَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَوَاقِيتِ كَالْبُسْتَانِ مَثَلًا لِحَاجَةٍ مَسَّتْ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ كَمَا بَيَّنَ آنِفًا (غَيْرَ مُحْرِمٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ) بِعَرَفَاتٍ جَازَ حَجُّهُ وَ (لَزِمَهُ دَمٌ) لِارْتِكَابِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ (فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ) أَيْ الْمِيقَاتِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ حَالَ كَوْنِهِ (مُحْرِمًا) بِحَجَّةٍ، أَوْ عُمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ (مُلَبِّيًا سَقَطَ) الدَّمُ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ (يَسْقُطُ) الدَّمُ (بِعَوْدِهِ مُحْرِمًا وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ) وَقَالَ زُفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا يَسْقُطُ لَبَّى، أَوْ لَمْ يُلَبِّ.
(وَإِنْ عَادَ) إلَى الْمِيقَاتِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَوْدِهِ إلَى هَذَا الْمِيقَاتِ وَإِلَى مِيقَاتٍ آخَرَ فِي الصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى (قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ سَقَطَ) الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ.
(وَكَذَا) يَسْقُطُ الدَّمُ (لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ) دَاخِلَ الْمِيقَاتِ (ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَقَضَاهَا)؛ لِأَنَّهُ يَقْضِيهَا كَامِلًا بِإِحْرَامٍ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيَنْجَبِرُ بِهِ مَا نَقَصَ مِنْ حَقِّ الْمِيقَاتِ بِالْمُجَاوَزَةِ عَنْهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ خِلَافًا لِزُفَرَ.
(وَإِنْ عَادَ) إلَى الْمِيقَاتِ (بَعْدَ مَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ) لَا بَعْدَمَا شَرَعَ فِي نُسُكٍ (لَا يَسْقُطُ) الدَّمُ لَكِنْ هَلْ الْعَوْدُ أَفْضَلُ أَمْ تَرْكُهُ.
وَفِي الْمُحِيطِ إنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ إذَا عَادَ لَمْ يَعُدْ وَيَمْضِي فِي إحْرَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ عَادَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرْضٌ وَالْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَاجِبٌ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ أَهْوَنُ مِنْ تَرْكِ الْفَرْضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَإِنْ دَخَلَ كُوفِيٌّ الْبُسْتَانَ) أَيْ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ وَلَوْ عَمَّمَ الدَّاخِلَ وَالْمَدْخُولَ لَكَانَ أَوْلَى لَكِنْ قَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ كَذَا فَتَبِعَهُ تَبَرُّكًا (لِحَاجَةٍ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ)؛ لِأَنَّ الْبُسْتَانَ غَيْرُ وَاجِبِ التَّعْظِيمِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِقَصْدِهِ فَإِذَا وَصَلَهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجَوِّزَ هَذِهِ الْحِيلَةَ لِلْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحَجَّةٍ آفَاقِيَّةٍ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ صَارَتْ حَجَّتُهُ مَكِّيَّةً فَكَانَ مُخَالِفًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي الْبُسْتَانِ، أَوْ لَمْ يَنْوِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِقَامَةِ (وَمِيقَاتُهُ) أَيْ الْكُوفِيِّ الدَّاخِلِ فِي الْبُسْتَانِ (الْبُسْتَانُ) لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ (وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ) لِمَصْلَحَةٍ لَهُ (لَزِمَهُ حَجٌّ، أَوْ عُمْرَةٌ) تَعْظِيمًا لِلْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ (فَلَوْ عَادَ) إلَى الْمِيقَاتِ (وَأَحْرَمَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي عَامِهِ) ذَلِكَ لَا بَعْدَهُ (سَقَطَ) عَنْهُ (مَا لَزِمَهُ بِدُخُولِ مَكَّةَ) مِنْ الْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَسْقُطُ الدَّمُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَسْقُطَ اعْتِبَارًا بِمَا لَزِمَهُ بِسَبَبِ النَّذْرِ وَصَارَ كَمَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.
وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ تَعْظِيمًا لِهَذِهِ الْبُقْعَةِ لَا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ لِدُخُولِهِ عَلَى التَّعْيِينِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالْإِحْرَامِ مَقْصُودًا وَلَوْ قَالَ وَإِحْرَامٌ عَمَّا عَلَيْهِ فِي عَامِهِ لَشَمَلَ كُلَّ إحْرَامٍ وَاجِبًا حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، أَدَاءً أَوْ قَضَاءً كَمَا فِي الْمِنَحِ.
(وَإِنْ بَعْدَ عَامِهِ) أَيْ إنْ كَانَ الْعَوْدُ وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ بَعْدَ عَامِهِ ذَلِكَ (لَا يَسْقُطُ) مَا لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِالتَّفْوِيتِ فَلَا يَخْلُصُ إلَّا بِالْإِحْرَامِ مَقْصُودًا.

.بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ:

(وَإِنْ جَاوَزَ مَكِّيٌّ أَوْ مُتَمَتِّعٌ الْحَرَمَ) يُرِيدُ الْحَجَّ (غَيْرَ مُحْرِمٍ فَهُوَ كَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ)؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْمَكِّيِّ مِنْ الْحَرَمِ وَالْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ الْمُجَاوِزُ صَارَ مَكِّيًّا فَإِحْرَامُهُ مِنْ الْحَرَمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا دَمٌ لِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ (وَوُقُوفُهُ) أَيْ وُقُوفُ الْمَكِّيِّ وَالْمُتَمَتِّعِ (كَطَوَافِهِ) أَيْ طَوَافِ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ يَعْنِي إذَا جَاوَزَ مَكِّيٌّ، أَوْ مُتَمَتِّعٌ الْحَرَمَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ إنْ عَادَ قَبْلَ الْوُقُوفِ إلَى الْحَرَمِ فَأَحْرَمَ يَسْقُطُ الدَّمُ وَإِنْ عَادَ بَعْدَمَا وَقَفَ فَأَحْرَمَ لَمْ يَسْقُطْ كَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَطَافَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا عُلِمَ حُكْمُهُ مِمَّا ذُكِرَ آنِفًا كَمَا عُلِمَ حُكْمُ مَكِّيٍّ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ لِلْعُمْرَةِ، أَوْ حَلَّ إحْرَامُهُ مِنْهُ فَلَوْ اخْتَصَرَ لَكَانَ أَخْصَرَ.

.بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ:

(إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ مَكِّيٌّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ شَوْطًا) وَلَوْ قَالَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ لَكَانَ أَوْلَى إذْ الْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ بِالشَّوْطَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ لَكِنْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَكَذَا وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَرُّكًا (فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَهُ) أَيْ الْحَجَّ (وَعَلَيْهِ قَضَاءُ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ) أَمَّا الدَّمُ فَلِأَجْلِ الرَّفْضِ.
وَأَمَّا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَلِمَكَانِ الْحَجِّ الْفَائِتِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا أَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَرْفُضَ الْعُمْرَةَ وَيَقْضِيَهَا وَيَمْضِيَ فِي الْحَجِّ وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَرْفُضُ وَإِنَّمَا قَالَ طَافَ شَوْطًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ لَهَا الْأَكْثَرَ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَهُ بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا يَرْفُضُ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَصَارَ كَمَا لَوْ فَرَغَ مِنْهَا وَعَلَيْهِ دَمٌ لِمَكَانِ النَّقْضِ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَإِذَا لَمْ يَطُفْ لِلْعُمْرَةِ شَيْئًا يَرْفُضُهَا اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِالْمَكِّيِّ؛ لِأَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا فَطَافَ لَهَا شَوْطًا، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مَضَى فِيهِمَا وَلَا يَرْفُضُ الْحَجَّ (فَلَوْ أَتَمَّهُمَا) أَيْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ (صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ؛ لِأَنَّهُ دَمُ شُكْرٍ (وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ) فَحَجَّ وَفَرَغَ مِنْهُ (ثُمَّ) أَحْرَمَ (بِآخَرَ يَوْمَ النَّحْرِ) بِحَجٍّ آخَرَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ (فَإِنْ كَانَ قَدْ حَلَقَ فِي الْأَوَّلِ) قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِلثَّانِي (لَزِمَهُ الثَّانِي) حَتَّى يَقْضِيَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهِ (وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) وَلَا صَدَقَةَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ انْتَهَى نِهَايَتَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَلَقَ لِلْأَوَّلِ (لَزِمَهُ) الْحَجُّ الثَّانِي (وَعَلَيْهِ دَمٌ سَوَاءٌ قَصَّرَ بَعْدَ إحْرَامِ الثَّانِي، أَوْ لَمْ يُقَصِّرْ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَصَّرَ فَقَدْ جَنَى عَلَى إحْرَامِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ نُسُكًا فِي إحْرَامِ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يُقَصِّرْ فَقَدْ أَخَّرَ النُّسُكَ عَنْ وَقْتِهِ.
وَالْمُرَادُ بِالتَّقْصِيرِ الْحَلْقُ وَإِنَّمَا اخْتَارَهُ اتِّبَاعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ، أَوْ لِيَصِيرَ الْحُكْمُ جَارِيًا فِي الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ عَامٌّ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يُقَصِّرْ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُمَا يَخُصَّانِ الْوُجُوبَ بِمَا إذَا حَلَقَ وَالتَّأْخِيرُ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ مُحَمَّدًا فِي هَذَا مَعَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِآخَرَ (وَمَنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ إلَّا التَّقْصِيرَ) بِأَنْ أَحْرَمَ وَطَافَ وَسَعَى وَلَمْ يُقَصِّرْ (فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى لَزِمَهُ دَمٌ) جَبْرٌ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ.
(وَلَوْ أَحْرَمَ آفَاقِيٌّ بِحَجٍّ ثُمَّ) أَحْرَمَ (بِعُمْرَةٍ لَزِمَاهُ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ لَلْآفَاقِيِّ كَالْقِرَانِ لَكِنَّهُ أَسَاءَ بِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ بِتَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ (فَإِنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ)، أَوْ أَكْثَرِهَا (فَقَدْ رَفَضَهَا) أَيْ الْعُمْرَةَ إذْ بِنَاءُ أَفْعَالِهَا عَلَى أَفْعَالِهِ مَشْرُوعٌ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِيرُ رَافِضًا (لَا) أَيْ لَا يَصِيرُ رَافِضًا (لَوْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا وَلَمْ يَقِفْ) وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ (فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ (بَعْدَ طَوَافِهِ لِلْحَجِّ) طَوَافَ التَّحِيَّةِ (نُدِبَ رَفْضُهَا) لِتَأَكُّدِ إحْرَامِهِ بِطَوَافِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُفْ (وَيَقْضِيهَا) لِلْحَجِّ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا (وَعَلَيْهِ دَمٌ)؛ لِرَفْضِهَا (فَإِنْ مَضَى عَلَيْهِمَا) أَيْ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ بِأَنْ يُقَدِّمَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ (صَحَّ وَلَزِمَهُ دَمٌ) لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا (وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ فِي الصَّحِيحِ) وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَنَّهُ دَمُ شُكْرٍ.
(وَإِنْ أَهَلَّ الْحَاجُّ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ، أَوْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَزِمَتْهُ) أَيْ لَزِمَتْ الْعُمْرَةُ الْحَاجَّ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ صَحِيحٌ.
(وَلَزِمَهُ رَفْضُهَا) أَيْ لَزِمَ رَفْضُ الْعُمْرَةِ الْحَاجَّ كَيْ لَا يَبْنِيَ أَفْعَالَهَا عَلَى أَفْعَالِهِ مَعَ كَرَاهَةِ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ.
(وَ) لَزِمَهُ (قَضَاؤُهَا) تَحْصِيلًا لِمَا فَاتَهُ مَعَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ.
(وَ) لَزِمَهُ (دَمٌ) لِلرَّفْضِ (فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا صَحَّ وَعَلَيْهِ دَمٌ) أَيْ دَمُ كَفَّارَةٍ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا (وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ) بِفَوْتِ الْوُقُوفِ (فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ لَزِمَهُ الرَّفْضُ) أَيْ رَفْضُ مَا أَحْرَمَ بِهِ (وَ) لَزِمَهُ (الْقَضَاءُ) لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهِ (وَ) لَزِمَهُ (الدَّمُ) لِرَفْضِهِ بِالتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ.

.بَابُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ:

أَيْ فَوَاتِ الْحَجِّ، وَالْإِحْصَارُ لُغَةً الْمَنْعُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَشَرْعًا الْمَنْعُ عَنْ الْحَجِّ وَالْوُقُوفِ مَعًا، أَوْ الْعُمْرَةُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ وَمَا فِي الدُّرَرِ مِنْ أَنَّهُ مَنْعُ الْخَوْفِ، أَوْ الْمَرَضِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَصُّ بِهَذَيْنِ تَدَبَّرْ وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَتَحَلَّلَ إلَّا بِذَبْحٍ أَوْ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ (إنْ أُحْصِرَ الْمُحْرِمُ بِعَدُوٍّ) مُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ (أَوْ مَرَضٍ) زَادَ بِالذَّهَابِ، أَوْ الرُّكُوبِ (أَوْ عَدَمِ مَحْرَمٍ) لِمَرْأَةٍ بِأَنْ مَاتَ مَحْرَمُهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمَا فَوْقَهَا (أَوْ ضَيَاعُ نَفَقَةٍ) وَفِي التَّجْنِيسِ إذَا سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ وَإِلَّا فَمُحْصَرٌ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا إحْصَارَ إلَّا بِالْعَدُوِّ؛ لِأَنَّ آيَةَ الْإِحْصَارِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} نَزَلَتْ فِي حَقِّ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَصْحَابِهِ وَكَانُوا مُحْصَرِينَ بِالْعَدُوِّ وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَارَ هُوَ الْمَنْعُ وَالْعِبْرَةُ لِلَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ (فَلَهُ أَنْ يَبْعَثَ شَاةً)، أَوْ قِيمَتَهَا لِيَشْتَرِيَ بِمَكَّةَ (تُذْبَحُ عَنْهُ فِي الْحَرَمِ) وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَذْبَحُ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يَذْبَحَ، أَوْ يَطُوفَ وَيَكْفِيهِ سُبْعُ بَدَنَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقَوِّمُ الْهَدْيَ فَيُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الطَّعَامَ يَصُومُ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ)؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مَوْقُوفٌ عَلَى الذَّبْحِ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ زَمَانِهِ حَتَّى يَقَعَ التَّحَلُّلُ بَعْدَهُ وَالتَّعَيُّنُ مُحْتَاجٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا عِنْدَهُمَا (وَيَتَحَلَّلُ بَعْدَ ذَبْحِهَا مِنْ غَيْرِ حَلْقٍ وَلَا تَقْصِيرٍ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ يَقُولُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَكِنْ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمُحْصَرُ (قَارِنًا يَبْعَثُ دَمَيْنِ) لِحَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَبْعَثُ دَمًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِذَبْحِ أَحَدِهِمَا وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا لِلْحَجِّ وَالْآخَرِ لِلْعُمْرَةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ دَمًا لَمْ يَتَحَلَّلْ بِذَبْحِهِ عَنْ أَحَدِ الْإِحْرَامَيْنِ (وَيَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ) أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ عِنْدَ الْإِمَامِ (لَا فِي الْحِلِّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَذْبَحُ فِي مَوْضِعٍ أُحْصِرَ فِيهِ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ) ذَبْحُهَا (قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ إنْ كَانَ مُحْصَرًا) بِفَتْحِ الصَّادِ (بِالْحَجِّ) وَإِنْ كَانَ مُحْصَرًا بِالْعُمْرَةِ يَجُوزُ وَلَا يَتَوَقَّفُ بِالزَّمَانِ إجْمَاعًا (وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ) فَرْضًا، أَوْ نَفْلًا إذَا تَحَلَّلَ (قَضَاءُ حَجٍّ) مِنْ قَابِلٍ لِلُزُومِهِ لَهُ بِالشُّرُوعِ (وَعُمْرَةٍ) لِأَنَّ عَلَى فَائِتِ الْحَجِّ التَّحَلُّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لَكِنْ إذَا قَضَاهُ فِي عَامِهِ ذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَوْ قَضَاهُ مِنْ قَابِلٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَتَى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَإِنْ شَاءَ قَرَنَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ حَجٌّ لَا غَيْرَ (وَعَلَى الْمُعْتَمِرِ) الْمُحْصَرِ قَضَاءُ (عُمْرَةِ) الْإِحْصَارِ عَنْهَا مُتَحَقِّقٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (وَعَلَى الْقَارِنِ) الْمُحْصَرِ (حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ) الْأُولَى لِلْقِرَانِ وَالثَّانِيَةُ لِكَوْنِهَا كَالْفَائِتِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ لَا عُمْرَتَانِ (فَإِنْ زَالَ الْإِحْصَارُ بَعْدَ بَعْثِ الدَّمِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُدْرِكَ الْحَجَّ وَالْهَدْيَ، أَوْ لَا يُدْرِكَهُمَا، أَوْ يُدْرِكَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي، أَوْ بِالْعَكْسِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ تَفْصِيلُهَا قَوْلُهُ (وَأَمْكَنَهُ) أَيْ الْمُحْصَرَ (إدْرَاكُهُ) أَيْ الْهَدْيِ (قَبْلَ ذَبْحِهِ وَ) أَمْكَنَهُ (إدْرَاكُ الْحَجِّ) بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ وَلَزِمَ الْمُضِيُّ) لِزَوَالِ الْعَجْزِ قَبْلَ الْمَقْصُودِ بِالْخُلْفِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُدْرِكَهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ (وَإِنْ أَمْكَنَ إدْرَاكُهُ) أَيْ الْهَدْيِ (فَقَطْ تَحَلَّلَ)؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْأَصْلِ.
(وَإِنْ أَمْكَنَ إدْرَاكُ الْحَجِّ فَقَطْ جَازَ التَّحَلُّلُ اسْتِحْسَانًا) وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْحَجِّ لِمَا مَرَّ أَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ بِالْحَجِّ يَتَوَقَّفُ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَإِذَا أَدْرَكَ الْحَجَّ يُدْرِكُ الْهَدْيَ ضَرُورَةً وَفِي الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ يُتَصَوَّرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُمَا فِيهِ كَجَوَابِهِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (وَمَنْ مُنِعَ بِمَكَّةَ عَنْ الرُّكْنَيْنِ) أَيْ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ (فَهُوَ مُحْصَرٌ) سَوَاءٌ كَانَ مُفْرِدًا، أَوْ قَارِنًا فَيَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ الْمَنْعَ بِمَكَّةَ لَيْسَ بِإِحْصَارٍ بَعْدَمَا صَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
(وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ) لِأَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْوُقُوفِ يَتِمُّ حَجُّهُ بِهِ فَلَا يَثْبُتُ الْإِحْصَارُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الطَّوَافِ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَلُّلِ بِالْهَدْيِ كَفَائِتِ الْحَجِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُحْصَرٌ بِالْمَنْعِ عَنْ أَحَدِهِمَا (وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلْيَتَحَلَّلْ) عَنْ إحْرَامِهِ (بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ) فَيَطُوفُ وَيَسْعَى بِلَا إحْرَامٍ جَدِيدٍ لَهَا (وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ) أَيْ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ (وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ عَلَيْهِ دَمٌ (وَلَا فَوْتَ لِلْعُمْرَةِ) بِالْإِجْمَاعِ (وَهِيَ إحْرَامٌ وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ) فَالْإِحْرَامُ شَرْطُهَا وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ رُكْنَاهَا (وَيَجُوزُ) الْعُمْرَةُ (فِي كُلِّ السَّنَةِ) أَيْ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُوَقَّتَةٍ (وَ) لَكِنْ (تُكْرَهُ) الْعُمْرَةُ (يَوْمَ عَرَفَةَ وَ) يَوْمَ (النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُكْرَهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُكْرَهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَصْلًا (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ الطَّوَافِ).

.بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْر:

إدْخَالُ اللَّازِمِ عَلَى غَيْرِ غَيْرُ وَاقِعٍ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ بَلْ هُوَ مَلْزُومُ الْإِضَافَةِ وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ كَوْنَ عَمَلِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ قَدَّمَ مَا تَقَدَّمَ (تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ) كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ (مُطْلَقًا) أَيْ فِي حَالَةِ الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ فَالْعِبْرَةُ لِنِيَّةِ الْمُوَكِّلِ لَا نِيَّةِ الْوَكِيلِ (وَلَا تَجُوزُ فِي الْبَدَنِيَّةِ) الْمَحْضَةِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ (بِحَالٍ) مِنْ الْأَحْوَالِ لَا فِي حَالَةِ الْعَجْزِ وَلَا فِي حَالَةِ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ إتْعَابُ النَّفْسِ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ (وَفِي الْمُرَكَّبِ) الْأَوْلَى، وَفِي الْمُرَكَّبَةِ (مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْبَدَنِ وَالْمَالِ (كَالْحَجِّ يَجُوزُ عِنْدَ الْعَجْزِ) لِحُصُولِ الْمَشَقَّةِ بِتَنْقِيصِ الْمَالِ (لَا) تَجُوزُ (عِنْدَ الْقُدْرَةِ) لِعَدَمِ إتْعَابِ النَّفْسِ نَظَرًا إلَى كَوْنِهِ بَدَنِيًّا فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ (وَيُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ الْعَجْزِ عَنْ الْغَيْرِ (الْمَوْتُ) أَيْ مَوْتُ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ (أَوْ الْعَجْزُ الدَّائِمُ إلَى الْمَوْتِ) إذَا كَانَ الْعَجْزُ يُرْجَى زَوَالُهُ غَالِبًا كَالْمَرَضِ وَالْحَبْسِ وَغَيْرِهِمَا فَأَحَجَّ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ الْعَجْزُ إلَى الْمَوْتِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ فَلَوْ زَالَ عَجْزُهُ صَارَ مَا أَدَّى تَطَوُّعًا لِلْآمِرِ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ زَالَ الْعَجْزُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَأْمُورِ عَنْ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ وَإِنْ زَالَ قَبْلَهُ فَعَنْ النَّفْلِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْعَمَى وَالزَّمَانَةِ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ سَوَاءٌ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ الْعُذْرُ، أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ وَافِيَةٍ بَلْ الْحَقُّ التَّفْصِيلُ، تَدَبَّرْ.
(وَإِنَّمَا شَرْطُ الْعَجْزِ لِلْحَجِّ الْفَرْضِ لَا لِلنَّفْلِ)؛ لِأَنَّ النَّفَلَ يَصِحُّ بِلَا شَرْطٍ وَيَكُونُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ لِلْآمِرِ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا ثَوَابُ النَّفْلِ فَالْمَأْمُورُ يَجْعَلُهُ لِلْآمِرِ وَقَدْ صَحَّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (فَمَنْ عَجَزَ) عَنْ أَدَاءِ الْحَجِّ (فَأَحَجَّ) أَيْ أَمَرَ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ (صَحَّ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا أَحَجَّ وَهُوَ صَحِيحٌ، ثُمَّ عَجَزَ وَاسْتَمَرَّ لَا يَجْزِيهِ لِفَقْدِ الشَّرْطِ (وَيَقَعُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْآمِرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَكِنَّهُ تُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْمَأْمُورِ بِصِحَّةِ الْأَفْعَالِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ.
وَقَالَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تُجْزِئُ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ (وَيَنْوِي النَّائِبُ عَنْهُ) حَتَّى لَوْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ وَقَعَ عَنْهُ وَضَمِنَ النَّفَقَةَ (فَيَقُولُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ عَنْ فُلَانٍ) عِنْدَ الْإِحْرَامِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ (وَيَرُدُّ) النَّائِبُ (مَا فَضَلَ مِنْ النَّفَقَةِ إلَى الْوَصِيِّ أَوْ الْوَرَثَةِ)، فِيهِ قُصُورٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إلَى مَنْ أَحَجَّ لِيَشْمَلَ مَنْ عَجَزَ فَأَحَجَّ تَدَبَّرْ (وَيَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ وَيُقَالُ صَرُورَةً وَصَرَارَةٌ وَصَارُورَةٌ وَصَارُورٌ وَصَرُورِيٌّ صنوصاروراء كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ الْحَجُّ لِنَفْسِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَقَّفَ إلَى عَامٍ قَابِلٍ وَيَحُجَّ لِنَفْسِهِ، أَوْ أَنْ يَحُجَّ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى أَهْلِهِ بِمَالِهِ وَإِنْ فَقِيرًا فَلْيَحْفَظْ وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ (وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ) الْمَأْذُونُ لِوُجُودِ أَفْعَالِ الْحَجِّ (وَغَيْرُهُمْ أَوْلَى) لِيَقَعَ حَجُّهُ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَلِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الْخِلَافِ.
وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَيُكْرَهُ إحْجَاجُ الْأُنْثَى وَالْعَبْدِ وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ.
(وَمَنْ أَمَرَهُ رَجُلَانِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا ضَمِنَ نَفَقَتَهُمَا) إنْ أَنْفَقَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ أَنْ يُخْلِصَ لَهُ الْحَجَّ وَأَنْ يَنْوِيَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَارَ مُخَالِفًا وَلَا يَكُونُ عَنْ أَحَدِهِمَا إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ (وَالْحَجَّةُ لَهُ) أَيْ لِلْحَاجِّ.
(وَإِنْ أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ) بِأَنْ نَوَى أَحَدَهُمَا غَيْرَ مُعَيِّنٍ (ثُمَّ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْمُضِيِّ صَحَّ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شُرِعَ وَسِيلَةً وَالْمُبْهَمُ يَصْلُحُ وَسِيلَةً بِوَاسِطَةِ التَّعْيِينِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ وَضَمِنَ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّعْيِينِ وَالْإِبْهَامُ يُخَالِفُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ كَمَا إذَا أُمِرَ أَحَدٌ بِالْحَجِّ وَآخَرُ بِالْعُمْرَةِ فَقَرَنَ بَيْنَهُمَا إلَّا إذَا أَذِنَا بِالْجَمْعِ (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمُضِيِّ (لَا) يَصِحُّ تَعْيِينُهُ اتِّفَاقًا (وَدَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ عَلَى الْمَأْمُورِ)؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ لِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَالْمَأْمُورُ مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ يَقَعُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ وُقُوعٌ شَرْعِيٌّ وَوُجُوبُ دَمِ الشُّكْرِ سَبَبٌ عَنْ الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ الصَّادِرِ عَنْ الْمَأْمُورِ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صِحَّةُ الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَكَذَا) يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ (دَمُ الْجِنَايَةِ)؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْجَانِي وَأُطْلِقَ فِي دَمِ الْجِنَايَةِ فَشَمَلَ دَمَ الْجِمَاعِ وَدَمَ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَدَمَ الْحَلْقِ وَدَمَ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ وَدَمَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي دَمِ الْجِنَايَةِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ (وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِدُخُولِهِ فِي الْعُهْدَةِ بِأَمْرِهِ فَعَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ) الْمَحْجُوجُ عَنْهُ (مَيِّتًا فَفِي مَالِهِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى وَمَاتَ فَإِنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ وَاجِبٌ فِي ثُلُثِ الْمَالِ وَقِيلَ فِي كُلِّهِ عِنْدَهُمَا، وَفِي مَالِ الْمَأْمُورِ عِنْدَهُ وَلَوْ قَالَ وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ مِنْ مَالِهِ وَلَوْ مَيِّتًا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْلَى.
(وَإِنْ جَامَعَ) الْمَأْمُورُ (قَبْلَ الْوُقُوفِ ضَمِنَ النَّفَقَةَ) لِأَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا بِالْإِفْسَادِ.
(وَإِنْ مَاتَ الْمَأْمُورُ) وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْحَاجُّ بِنَفْسِهِ فَأَوْصَى بِالْحَجِّ (فِي الطَّرِيقِ) بَعْدَمَا أَنْفَقَ بَعْضَ النَّفَقَةِ (يَحُجُّ عَنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ) أَيْ الْمُوصِي، أَوْ الْوَصِيِّ وَالْوَارِثِ قِيَاسًا عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا اتَّحَدَ مَكَانُهُمَا فَإِنْ اخْتَلَفَ مَكَانُهُمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ مِنْ مَكَّةَ يَحُجُّ عَنْهُ وَالْمَالُ وَافٍ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَافِيًا بِهِ يَحُجُّ مِنْ حَيْثُ يُمْكِنُ (بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ) مَجْمُوعِ (مَالِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ مَثَلًا ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَ الْأَلْفَ فَسُرِقَ يَحُجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ الْأَلْفَيْنِ سِتِّمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِينَ (وَعِنْدَهُمَا) يَحُجُّ (مِنْ حَيْثُ مَاتَ الْمَأْمُورُ) بِالْحَجِّ (لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) يَحُجُّ عَنْهُ (بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ) الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ مَثَلًا أَرْبَعَةَ آلَافٍ فَدَفَعَ الْأَلْفَ فَسُرِقَ يَحُجُّ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَدَفَعَ الْأَلْفَ فَسُرِقَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) يَحُجُّ عَنْهُ (بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ)، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ (وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْ أَبَوَيْهِ)، أَوْ غَيْرِهِمَا (ثُمَّ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا جَازَ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالْحَجِّ عَنْهُمَا وَمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَكُونُ حَاجًّا عَنْهُ بَلْ يَكُونُ جَاعِلًا ثَوَابَ حَجِّهِ لَهُ وَنِيَّتُهُ عَنْهُمَا لَغْوٌ (وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ) هَذَا وَقَعَ فِي مَعْرِضِ الْعِلَّةِ لِمَا قَبْلَهُ.

.بَابُ الْهَدْيِ:

(هُوَ) اسْمُ مَا يُهْدَى مِنْ النِّعَمِ إلَى الْحَرَمِ لِيَتَقَرَّبَهُ (مِنْ إبِلٍ، أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ) وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَأَقَلُّهُ شَاةٌ وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ) أَيْ الْهَدْيِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ آنِفًا (وَيُجْزِئُ فِيهِ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ)؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ تَعَلَّقَتْ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ كَالْأُضْحِيَّةِ (وَتُجْزِئُ الشَّاةُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ) وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي الْكُلِّ أَيْ الْجِنَايَاتِ وَغَيْرِهَا (إلَّا إذَا طَافَ لِلزِّيَادَةِ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ (جُنُبًا أَوْ جَامَعَ بَعْدَ وُقُوفِ عَرَفَةَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِمَا إلَّا الْبَدَنَةُ)، وَلَيْسَ مُرَادُهُ التَّعْمِيمَ فَإِنَّ مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً أَوْ جَزُورًا لَا تُجْزِيهِ الشَّاةُ (وَيَأْكُلُ) اسْتِحْبَابًا (مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ) إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ (وَالْمُتْعَةُ وَالْقِرَانُ) إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ (لَا) يَأْكُلُ (مِنْ غَيْرِهَا)؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَخُصَّ ذَبْحُ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِأَيَّامِ النَّحْرِ دُونَ غَيْرِهِمَا) أَيْ يَجُوزُ ذَبْحُ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
(وَ) خُصَّ (الْكُلُّ بِالْحَرَمِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّمَاءَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ دَمُ الْقِرَانِ وَدَمُ التَّطَوُّعِ فِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ وَدَمُ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُمَا وَمَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ وَهُوَ دَمُ الْجِنَايَاتِ وَدَمُ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُ وَالتَّطَوُّعُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَمَا كَانَ عَكْسَهُ وَهُوَ دَمُ الْأُضْحِيَّةِ وَمَا لَا يَخْتَصُّ بِهِمَا وَهُوَ دَمُ النُّذُورِ وَعِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتَعَيَّنُ بِالْمَكَانِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ الْهَدْيِ (عَلَى فَقِيرِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ) مِنْ الْفُقَرَاءِ الْمُسْتَحِقِّينَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَخْتَصُّ بِهِ (وَيَتَصَدَّقُ بِجُلِّهِ) وَهُوَ بِالضَّمِّ مَا يُطْرَحُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ (وَحِطَامِهِ) بِالْكَسْرِ وَهُوَ حَبْلٌ يُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْبَعِيرِ (وَلَا يُعْطِي أَجْرَ الْجَزَّارِ) أَيْ الذَّابِحِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْهَدْيِ وَلَكِنْ لَوْ تَصَدَّقَ شَيْئًا عَلَيْهِ سِوَى أُجْرَتِهِ جَازَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّهُ (وَلَا يَرْكَبُهُ) أَيْ الْهَدْيَ (إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ أَنْ يَرْكَبَهُ بِغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُهْزِلَهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ (فَإِنْ نَقَصَ بِرُكُوبِهِ) شَيْءٌ مِنْهُ (ضَمِنَهُ) أَيْ النُّقْصَانَ (وَلَا يَحْلِبُهُ) أَيْ الْهَدْيَ إذَا كَانَ لَهُ لَبَنٌ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ (فَإِنْ حَلَبَهُ) وَانْتَفَعَ بِهِ، أَوْ دَفَعَهُ إلَى الْغَنِيِّ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِوَبَرِهِ، أَوْ صُوفِهِ (تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ بِاللَّبَنِ (وَيَنْضَحُ ضَرْعَهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ لِيَنْقَطِعَ لَبَنُهُ) قَالُوا هَذَا إذَا قَرُبَ مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ وَأَمَّا إذَا أُبْعِدَ عَنْهُ فَيُحْلَبُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَيَتَصَدَّقُ بِمِثْلِهِ، أَوْ قِيمَتِهِ إلَّا إذَا اُسْتُهْلِكَ فَإِنَّهُ بِالْقِيمَةِ وَلَوْ وَلَدَ الْهَدْيُ ذُبِحَ مَعَ الْوَلَدِ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ (فَإِنْ عَطِبَ) بِالْكَسْرِ أَيْ هَلَكَ (الْهَدْيُ الْوَاجِبُ، أَوْ تَعَيَّبَ) عَيْبًا (فَاحِشًا) يَمْنَعُ جَوَازَ الْأُضْحِيَّةِ (أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ)؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهِ وَالْعَيْبُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ (وَصَنَعَ بِالْمَعِيبِ مَا شَاءَ)؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِمِلْكِهِ وَإِنْ عَطِبَ أَيْ قَرُبَ إلَى الْعَطَبِ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ؛ لِأَنَّ النَّحْرَ بَعْدَ حَقِيقَةِ الْعَطَبِ لَا يُتَصَوَّرُ (التَّطَوُّعُ نَحَرَهُ وَصَبَغَ نَعْلَهُ) أَيْ قِلَادَتَهُ (بِدَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ) أَيْ بِنَعْلِهِ (صَفْحَتَهُ) أَيْ صَفْحَةَ سَنَامِهِ (وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ هُوَ وَلَا غَنِيٌّ) لِعَدَمِ تَمَامِ الْقُرْبَةِ وَفَائِدَةُ الْفِعْلِ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يُتْرَكَ لَحْمًا لِلسِّبَاعِ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ (وَتُقَلَّدُ بَدَنَةُ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ)؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ نُسُكٍ (لَا) يُقَلَّدُ (غَيْرُهَا) كَدِمَاءِ الْجِنَايَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْإِحْصَارِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ، وَالسَّتْرُ أَلْيَقُ لَوْ قَلَّدَ دَمَ الْإِحْصَارِ لَا يَضُرُّ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَفِي الْمُحِيطِ يُقَلِّدُ دَمَ النَّذْرِ.

.مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ في كتاب الحج:

جَرَتْ عَادَةُ الْمُصَنِّفِينَ أَنْ يَذْكُرُوا فِي آخِرِ الْكِتَابِ مَا شَذَّ وَنَدَرَ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْأَبْوَابِ السَّالِفَةِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ وَيُتَرْجِمُوا عَنْهُ بِمَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ أَوْ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ، أَوْ مَسَائِلَ شَتَّى أَوْ مَسَائِلَ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْأَبْوَابِ (شَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ يَوْمُ النَّحْرِ بَطَلَتْ) هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَالْحَجُّ صَحِيحٌ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ وَعَلَى أَمْرٍ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمْ نَفْيُ حَجِّهِمْ وَالْحَجُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى عَامًّا لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ صِيَانَةً لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْكَافِي وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ.
(وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ) أَيْ الْيَوْمَ الَّذِي وَقَفُوا فِيهِ (يَوْمُ التَّرْوِيَةِ صَحَّتْ) هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِإِمْكَانِ التَّدَارُكِ فَلَوْ شَهِدُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ يُنْظَرُ فَإِنْ أَمْكَنَ الْإِمَامُ أَنْ يَقِفَ بِالنَّاسِ أَوْ أَكْثَرَهُمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْوُقُوفِ وَإِنْ لَمْ يَقِفُوا عَشِيَّتَهُ فَاتَهُمْ الْحَجُّ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَقِفَ مَعَهُمْ لَيْلًا لَا نَهَارًا فَكَذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقِفَ لَيْلًا مَعَ أَكْثَرِهِمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقِفُوا مِنْ الْغَدِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي لَفْظِ الْجَمْعِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ جَمْعٍ عَظِيمٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي الْكَافِي يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَهْيِيجًا لِلْفِتْنَةِ.
(وَمَنْ تَرَكَ الْجَمْرَةَ الْأُولَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) وَرَمَى الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةَ (فَإِنْ شَاءَ رَمَاهَا فَقَطْ)؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْجِمَارِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا وَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَالْأَوْلَى أَنْ يَرْمِيَ الْكُلَّ) رِعَايَةً لِلتَّرْتِيبِ الْمَسْنُونِ.
(مَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا يَمْشِي مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى يَطُوفَ لِلزِّيَارَةِ) عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْحَجَّ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ لِأَنَّ الْمَشْيَ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ فَيَلْزَمُهُ الْإِيفَاءُ، وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ مَشْيَهُ مَكْرُوهٌ (وَقِيلَ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ)؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَفْعَالِهِ (فَإِنْ رَكِبَ لَزِمَهُ دَمٌ) وَإِنْ رَكِبَ فِي الْأَقَلِّ تَصَدَّقَ (حَلَالٌ اشْتَرَى أَمَةً مُحْرِمَةً بِالْإِذْنِ) أَيْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى (فَلَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (أَنْ يُحَلِّلَهَا) وَالْأَوْلَى تَحْلِيلُهَا (بِقَصِّ شَعْرٍ، أَوْ قَلْمِ ظُفْرٍ قَبْلَ الْجِمَاعِ) (وَمِنْ الْمُهِمَّاتِ) أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْمُجَاوَرَةِ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ فَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إلَى اسْتِحْبَابِهَا إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الْمَحْظُورَاتِ وَذَهَبَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَالْإِمَامُ مَالِكٌ إلَى كَرَاهَتِهَا وَهُوَ الْأَحْوَطُ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ قَدْرَهُمَا وَاعْلَمْ أَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ خَاصَّةٌ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ عِنْدَنَا وَلَيْسَ لِلْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ حَرَمٌ فِي حَقِّ الصُّيُودِ وَالْأَشْجَارِ وَغَيْرِهِمَا الْحَجُّ تَطَوُّعًا أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ حَجُّ الْفَرْضِ أَوْلَى مِنْ طَاعَةِ الْوَالِدَيْنِ بِخِلَافِ النَّفْلِ لَا يَتَزَوَّجُ الْمُقْتَدِرُ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إذَا كَانَ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ جَازَ حَجُّ الْغَنِيِّ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الْفَقِيرِ مَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَفُ بِقَاعِ الْأَرْضِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا سِوَاهَا وَمِنْ أَحْسَنِ الْمَنْدُوبَاتِ بَلْ يَقْرُبُ مِنْ دَرَجَةِ الْوَاجِبَاتِ زِيَارَةُ قَبْرِ نَبِيِّنَا وَسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَرَّضَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى زِيَارَتِهِ وَبَالَغَ فِي النَّدْبِ إلَيْهَا بِمِثْلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وَقَوْلُهُ «مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَا يُهِمُّهُ حَاجَةٌ إلَّا زِيَارَتِي كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ شَفِيعًا لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَوْلُهُ «لَا عُذْرَ لِمَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ مِنْ أُمَّتِي وَلَمْ يَزُرْنِي» وَقَوْلُهُ «مَنْ صَلَّى عَلَى قَبْرِي سَمِعْتُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ نَائِيًا بُلِّغْتُهُ» وَقَوْلُهُ «مَنْ حَجَّ وَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي» وَقَوْلُهُ «مَنْ زَارَنِي إلَى الْمَدِينَةِ مُتَعَمِّدًا كَانَ فِي جِوَارِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ إذَا لَمْ يَقَعْ فِي طَرِيقِ الْحَاجِّ الْمَدِينَةُ الْمُنَوَّرَةُ ثُمَّ يُثَنِّي بِالزِّيَارَةِ فَإِذَا نَوَاهَا فَلْيَنْوِ مَعَهَا زِيَارَةَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا يُكْثِرُ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَيْهِ أَشْرَفُ التَّحِيَّاتِ وَأَفْضَلُ التَّسْلِيمَاتِ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمَدِينَةِ اغْتَسَلَ بِظَاهِرِهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا، أَوْ تَوَضَّأَ وَلَكِنَّ الْغُسْلَ أَفْضَلُ وَلَبِسَ نَظِيفَ ثِيَابِهِ وَكُلَّ مَا كَانَ أَدْخَلَ فِي الْأَدَبِ وَالْإِجْلَالِ فَعَلَهُ وَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ {رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ}الْآيَةُ. اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك وَرَحْمَتِك وَارْزُقْنِي زِيَارَةَ قَبْرِ رَسُولِك الْمُجْتَبَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا رَزَقْتَ أَوْلِيَاءَكَ وَأَهْلَ طَاعَتِك وَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي يَا خَيْرَ مَسْئُولٍ وَلْيَكُنْ مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا بِكَمَالِ الْأَدَبِ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الشَّرِيفَ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَيَدْخُلُ مِنْ الْبَابِ الْمَعْرُوفِ بِبَابِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَاصِدًا الرَّوْضَةَ الشَّرِيفَةَ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ الشَّرِيفِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» فَيُصَلِّي عِنْدَ مِنْبَرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَكْعَتَيْنِ يَقِفُ بِحَيْثُ يَكُونُ عَمُودُ الْمِنْبَرِ بِحِذَاءِ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَيَسْجُدُ شُكْرًا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْجَلِيلَةِ وَيَدْعُو بِمَا يُحِبُّ، ثُمَّ يَنْهَضُ فَيَتَوَجَّهُ إلَى الْقَبْرِ الشَّرِيفِ فَيَقِفُ عِنْدَ رَأْسِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيَدْنُو مِنْهُ قَدْرَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ وَلَا يَدْنُو مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَضَعُ يَدَهُ عَلَى جِدَارِ التُّرْبَةِ الشَّرِيفَةِ فَهُوَ أَهْيَبُ وَأَعْظَمُ لِلْحُرْمَةِ وَيَقِفُ كَمَا يَقِفُ فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَيْرَ خَلْقِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ إنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَمِينُهُ أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّيْتَ الْأَمَانَةَ وَنَصَحْتَ الْأُمَّةَ وَكَشَفْتَ الْغُمَّةَ فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا جَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أَفْضَلَ مَا جَازَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ اللَّهُمَّ أَعْطِ سَيِّدَنَا عَبْدَكَ وَرَسُولَكَ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الْعَالِيَةَ الرَّفِيعَةَ وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْتَهُ وَأَنْزِلْهُ الْمَنْزِلَ الْمُبَارَكَ عِنْدَكَ سُبْحَانَكَ أَنْتَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى حَاجَتَهُ، وَأَعْظَمُ الْحَاجَاتِ سُؤَالُ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَطَلَبُ الْمَغْفِرَةِ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْأَلُكَ الشَّفَاعَةَ الْكُبْرَى وَأَتَوَسَّلُ بِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ أَمُوتَ مُسْلِمًا عَلَى مِلَّتِكَ وَسُنَّتِكَ وَأَنْ أُحْشَرَ فِي زُمْرَةِ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ عَنْ يَمِينِهِ إنْ كَانَ مُسْتَقْبِلًا قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَثَانِيهِ فِي الْغَارِ وَيَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكَ وَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ كَذَلِكَ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ الْفَارُوقَ أَنْتَ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ بِكَ الْإِسْلَامَ فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَيْرًا، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى حِيَالِهِ وَجْهَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ بِأَفْضَلِ مَا يُمْكِنُ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِجَمِيعِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، ثُمَّ يَفْعَلُ مَا شَاءَ مِمَّا تَيَسَّرَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْبَقِيعِ وَيَزُورَ الْقُبُورَ الَّتِي يُتَبَرَّكُ بِهَا كَقَبْرِ عُثْمَانَ وَعَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَقُبُورِ صَاحِبِ الْأَصْحَابِ الْأَبْرَارِ وَالْآلِ الْأَخْيَارِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَسَائِرِ أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أَنْتُمْ لَنَا سَابِقُونَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَيَفْعَلُ مَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ مِنْ الدَّعَوَاتِ وَالْخَيْرَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَيَكُونُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مَا دَامَ سَاكِنًا فِيهَا فَإِذَا عَزَمَ إلَى السَّفَرِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوَدِّعَ فِي الْمَسْجِدِ بِصَلَاةٍ وَقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ صَلَاةً فِي مَسْجِدِي خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» وَيَدْعُو بَعْدَهُ بِمَا أَحَبَّ وَأَنْ يَأْتِيَ الْقَبْرَ الشَّرِيفَ وَيَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِإِخْوَانِهِ الصَّالِحِينَ وَأَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُدْخِلَهُ دَارَ النَّعِيمِ وَيُوَصِّلَهُ إلَى أَهْلِهِ سَالِمًا غَانِمًا بِخَيْرِ عَاقِبَةٍ وَحُسْنِ عَافِيَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يُمْكِنُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ الْجِيرَانِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ بَاكِيًا حَزِينًا عَلَى فِرَاقِ الْحَضْرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَمِنْ السُّنَنِ أَنْ يُكَبِّرَ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ وَيَقُولَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَأَعَزَّ جُنْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ وَإِذَا دَخَلَ بَلَدَهُ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبَّ الشَّيَاطِينَ وَمَا أَضْلَلْنَ وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَّيْنَ وَنَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَنَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَشَرِّ مَا فِيهَا اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِيهَا قَرَارًا وَارْزُقْنِي رِزْقًا حَسَنًا طَيِّبًا حَلَالًا مُبَارَكًا وَيَنْبَغِي لِمَنْ يَتَوَجَّهُ إلَى الْحَجِّ الشَّرِيفِ أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا اكْتَسَبَ وَمَا فَعَلَ مِنْ أَنْوَاعِ الذُّنُوبِ عَسَى رَبُّهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَأَنْ يُرْضِيَ خُصُومَهُ وَيَقْضِيَ دُيُونَهُ إلَّا مَا كَانَ مُؤَجَّلًا وَيَرُدَّ الْوَدَائِعَ إلَى أَهْلِهَا وَيَتْرُكَ نَفَقَةَ عِيَالِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ وَيَسْتَصْحِبَ نَفَقَةً طَيِّبَةً قَدْرَ مَا يَكْفِيهِ وَيَكُونَ عَلَى رِفْقٍ مَعَ رُفَقَائِهِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ وَعَلَى سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَطْوَارِ وَيَفْعَلُ مَا لَا يَتَأَلَّمُ مِنْهُ الْخَلْقُ وَلَا يَتَأَذَّى وَيَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ إنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ فَإِذَا تَوَجَّهَ السَّفَرَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَ، ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالتَّيْسِيرَ لِمَا أَرَادَ وَالْحِفْظَ مِنْ شَرِّ الْعِبَادِ وَالطُّغَاةِ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا يَطِيبُ قَلْبُهُ مِنْ أَطْيَبِ الْأَمْوَالِ مِنْ مَالِهِ الْحَلَالِ وَيَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الصَّالِحِينَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَتُبْ عَلَيْنَا إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، ثُمَّ يُوَدِّعُ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ وَسَائِرَ مَنْ حَضَرَ وَيَقُولُ أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكُمْ وَدُنْيَاكُمْ وَخَوَاتِيمَ أَعْمَالِكُمْ وَيَقُولُ لَهُ أَهْلُهُ عِنْدَ التَّوْدِيعِ سِرْ فِي حِفْظِ اللَّهِ وَكَنَفِهِ زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى وَجَنَّبَكَ الْخَبَائِثَ وَالرَّدَى وَغَفَرَ ذَنْبَكَ وَوَجَّهَكَ لِلْخَيْرِ أَيْنَمَا كُنْتَ وَتَوَجَّهْتَ وَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ بَابِ مَنْزِلِهِ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ إنَّا أَنْزَلْنَاهُ وَخَتَمَهَا وَإِذَا رَكِبَ دَابَّتَهُ يَقُولُ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَجَعَلَنَا أُمَّةَ حَبِيبِهِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ اللَّهُمَّ اطْوِ لَنَا الْأَرْضَ وَسَيِّرْنَا فِيهَا بِطَاعَتِكَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَأَطْلُبُ مِنْكَ الْعَوْنَ وَالْعِنَايَةَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ، أَوْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَوْ يَوْمِ السَّبْتِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَيَقُولُ فِي نُزُولِهِ فِي الْمُنْزَلِ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ وَإِذَا حَطَّ رَحْلَهُ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ كُلِّهَا مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ اعْطِنَا خَيْرَ هَذَا الْمُنْزَلِ وَخَيْرَ مَا فِيهِ وَاكْفِنَا شَرَّهُ وَشَرَّ مَا فِيهِ وَإِذَا رَحَلَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا فِي مُنْقَلَبِنَا وَمَثْوَانَا اللَّهُمَّ كَمَا أَخْرَجْتَنَا مِنْ مَنْزِلِنَا هَذَا سَالِمِينَ بَلِّغْنَا غَيْرَهُ آمِنِينَ وَيَكُونُ الْأَمْرُ كَذَا فِي كُلِّ مُنْزَلٍ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لَنَا زِيَارَةَ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ بِحُرْمَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى حَالٍ سِوَى الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ.

.كِتَابُ النِّكَاحِ:

أَخَّرَهُ عَمَّا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْبَسِيطِ مِنْ الْمُرَكَّبِ فَإِنَّهُ مُعَامَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَعِبَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ أَمَّا مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهِ فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي عَنْهُ لِمَحْضِ الْعِبَادَةِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ النَّفْسِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا، وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُبَاهَاةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِقَوْلِهِ «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ وَتَوْسِعَةِ الْبَاطِنِ بِالتَّحَمُّلِ فِي مُعَاشَرَةِ أَبْنَاءِ النَّوْعِ وَتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِح الْمُسْلِمِ الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْأَقَارِبِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ وَإِعْفَافِ الْحُرَمِ وَنَفْسِهِ وَدَفْعِ الْفِتْنَةِ عَنْهُ وَعَنْهُنَّ وَأَمَّا مَعْنَى الْمُعَامَلَةِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي هُوَ عِوَضُ الْبُضْعِ وَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالشَّهَادَةُ وَدُخُولُهُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي مَفْهُومِهِ لُغَةً فَقِيلَ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَنَسَبَهُ الْأُصُولِيُّونَ إلَى الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَمَجَازٌ فِي الْعَقْدِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الضَّمِّ وَبِهِ صَرَّحَ مَشَايِخُنَا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ أَفْرَادِ الضَّمِّ وَالْمَوْضُوعُ لِلْأَعَمِّ حَقِيقَةً فِي كُلٍّ مِنْ أَفْرَادِهِ كَإِنْسَانٍ فِي زَيْدٍ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ وَسَبَبُ شَرْعِيَّتِهِ تَعَلُّقُ بَقَاءِ الْعَالَمِ بِهِ الْمُقَدَّرُ فِي الْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَلَهُ شَرْطٌ خَاصٌّ بِهِ وَهُوَ سَمَاعُ اثْنَيْنِ وَشُرُوطُهُ الَّتِي لَا تَخُصُّهُ الْأَهْلِيَّةُ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ فِي الْوَلِيِّ لَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَلَا فِي مُتَوَلِّي الْعَقْدِ فَإِنَّ تَزْوِيجَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ جَائِزٌ وَتَوْكِيلَ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا فِي الْبَيْعِ فَصِحَّتُهُ هُنَا أَوْلَى كَمَا فِي الْفَتْحِ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَاللَّفْظِ الْقَائِمِ وَحُكْمُهُ حِلُّ اسْتِمْتَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا وَوُجُوبُ الْمَهْرِ عَلَيْهِ وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَعَدَمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ نُقِلَ إلَى الْعَقْدِ فَصَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَلِذَا أَخَذَ فِي تَعْرِيفِهِ فَقَالَ (هُوَ عَقْدٌ يُرَدُّ عَلَى مِلْكِ الْمُتْعَةِ) أَيْ حِلِّ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ فَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ ارْتِبَاطُ أَجْزَاءِ التَّصَرُّفِ الشَّرْعِيِّ بَلْ الْأَجْزَاءُ الْمُرْتَبِطَةُ دُونَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُتَكَلِّمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ لَهُ عِلَلًا أَرْبَعًا فَالْعِلَّةُ الْفَاعِلِيَّةُ الْمُتَعَاقِدَانِ وَالْمَادِّيَّةُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالصُّورِيَّةُ الِارْتِبَاطُ الَّذِي يَعْتَبِرُ الشَّرْعُ وُجُودَهُ وَالْغَائِيَّةُ الْمَصَالِحُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنِّكَاحِ (قَصْدًا) احْتِرَازًا عَمَّا يُفِيدُ الْحِلَّ ضِمْنًا كَمَا إذَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ كَشِرَاءِ جَارِيَةٍ لِلتَّسَرِّي فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ شَرْعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ ثَابِتٌ ضِمْنًا.
وَإِنْ قَصَدَهُ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مِلْكُ الْمُتْعَةِ مَقْصُودًا كَمِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي الشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ لِتَخَلُّفِهِ عَنْهُ فِي شِرَاءِ مَحْرَمِهِ نَسَبًا وَرِضَاعًا وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ.
(يَجِبُ عِنْدَ التَّوَقَانِ) وَهُوَ الشَّوْقُ الْقَوِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ اللَّازِمُ فَيَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَاجِبًا عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ لَا يَحْتَرِزُ عَنْهُ فَرْضًا بِشَرْطِ أَنْ يَمْلِكَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَرْكِ الْحَرَامِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَشْيَاخِنَا إلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُعَامَلَاتِ.
(وَيُكْرَهُ عِنْدَ خَوْفِ الْجَوْرِ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ رِعَايَةِ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّتَهُ إنَّمَا هِيَ لِتَحْصِينِ النَّفْسِ وَتَحْصِيلِ الثَّوَابِ بِالْوَلَدِ وَاَلَّذِي يَخَافُ الْجَوْرَ يَأْثَمُ وَيَرْتَكِبُ الْمُحَرَّمَاتِ فَتَنْعَدِمُ الْمَصَالِحُ لِرُجْحَانِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ وَقَضِيَّتُهُ الْحُرْمَةُ إلَّا أَنَّ النُّصُوصَ لَمْ تَنْهَضْ بِهَا فَقُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ.
(وَيُسَنُّ مُؤَكَّدًا حَالَةَ الِاعْتِدَالِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «النِّكَاحُ سُنَّتِي فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».
وَقَالَ «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ» وَذَهَبَ دَاوُد وَأَتْبَاعُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْوَطْءِ وَالْإِنْفَاقِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَكَّافِ بْنِ خَالِدٍ «أَلَكَ امْرَأَةٌ قَالَ لَا قَالَ تَزَوَّجْ فَإِنَّكَ مِنْ إخْوَانِ الشَّيَاطِينِ»، وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ رُهْبَانِ النَّصَارَى، وَفِي آخِرِهِ شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ وَأَرَاذِلُ أَمْوَاتِكُمْ عُزَّابُكُمْ وَيْحَكَ يَا عَكَّافُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ عَدَمُ ذِكْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ ذَكَرَ أَرْكَانَ الدِّينِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَلَوْ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ وَيُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَوْنُهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ الزِّفَافِ فِيهِ وَالْمُخْتَارُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَفْسَدَةٍ دِينِيَّةٍ.
(وَيَنْعَقِدُ) أَيْ يَحْصُلُ وَيَتَحَقَّقُ النِّكَاحُ فِي الْوُجُودِ (بِإِيجَابٍ) فِي مَجْلِسٍ وَالْإِيجَابُ شَرْعًا لَفْظٌ صَدَرَ عَنْ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوَّلًا رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْجَوَابُ عَلَى الْآخَرِ بِنَعَمْ أَوْ لَا وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ (وَقَبُولٌ) هُوَ لَفْظٌ صَدَرَ عَنْ الْآخَرِ ثَانِيًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ فِي الْحَاضِرِ فَإِنَّهُ لَوْ كَتَبَ عَلَى وَرَقَةٍ مَثَلًا لِامْرَأَةٍ زَوِّجْنِي نَفْسَكَ فَكَتَبَتْ تَحْتَهُ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْكَ لَا يَنْعَقِدُ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي وَإِلَى أَنَّ الْقَبُولَ بَعْدَ ذِكْرِ مَا اتَّصَلَ بِالْإِيجَابِ مِنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ حَتَّى لَوْ قَبِلَ قَبْلَهُ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ (كِلَاهُمَا) يَكُونَانِ (بِلَفْظِ الْمَاضِي)؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَمَّا كَانَ الْإِنْشَاءَ وَالْإِثْبَاتَ اُخْتِيرَ لَهُ لَفْظُ الْمَاضِي الدَّالُّ عَلَى الثُّبُوتِ وَالْوُقُوعِ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ لِيَشْمَلَ اللَّفْظَيْنِ حُكْمًا وَهُوَ الصَّادِرُ مِنْ مُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ شَرْعًا وَيَشْمَلُ مَا لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مِنْ الْأَلْفَاظِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ أَحَدُهُمَا) يَكُونُ بِلَفْظِ الْمَاضِي (كَزَوِّجْنِي فَقَالَ زَوَّجْتُ) قَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَضْعًا لِلْمَاضِي كَزَوَّجْتُ وَتَزَوَّجْتُ وَيَنْعَقِدُ أَيْضًا بِمَا وُضِعَا أَيْ بِلَفْظَيْنِ وُضِعَ أَحَدُهُمَا لِلْمَاضِي وَالْآخَرُ لِلِاسْتِقْبَالِ يَعْنِي الْأَمْرَ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلِاسْتِقْبَالِ كَزَوِّجْنِي وَزَوَّجْتُ وَإِنَّمَا عَطَفَ قَوْلَهُ بِمَا وُضِعَا عَلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا وُضِعَ لِلِاسْتِقْبَالِ لَيْسَ مِنْ الْإِيجَابِ وَلَا الْقَبُولِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ النِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي، ثُمَّ قَالَ وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَبِالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ وَأَعَادَ لَفْظَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ اللَّفْظَيْنِ الَّذِينَ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ لَيْسَا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بَلْ قَوْلُهُ زَوِّجْنِي تَوْكِيلٌ وَقَوْلُهُ زَوَّجْتُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ حُكْمًا فَإِنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَصَاحِبُ الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ كَأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ثَانِيًا وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِ أَنَّ مَا وُضِعَ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ إيجَابٌ وَقَبُولٌ فَقَصَدَا الِاخْتِصَارَ فَقَالَ الْأَوَّلُ وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ لَفْظُهُمَا مَاضٍ كَزَوَّجْتُ وَتَزَوَّجْتُ، أَوْ مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلٍ كَزَوِّجْنِي فَقَالَ زَوَّجْتُ وَقَالَ الثَّانِي وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بِلَفْظَيْنِ وُضِعَا لِلْمَاضِي، أَوْ أَحَدُهُمَا انْتَهَى، لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ جَعَلَ الصِّحَّةَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ فَيَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ عَلَى هَذَا قَائِمًا بِالْمُجِيبِ وَصَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ فِي النِّكَاحِ إيجَابٌ، وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ قَائِمًا بِالْمُجِيبِ وَالْقَابِلِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ هَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ إلَّا اللَّفْظَ الْمُفِيدَ قَصْدَ تَحْقِيقِ الْمَعْنَى أَوَّلًا وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى الْأَمْرِ فَلْيَكُنْ إيجَابًا وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلِمْتُ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ، أَوْ تَوْكِيلٌ فَمَا فِي الْكَنْزِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَعَلَى هَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الدُّرَرِ؛ لِأَنَّهُ غَفَلَ عَنْ الْقَوْلِ الْآخَرِ مَعَ أَنَّ الرَّاجِحَ كَوْنُهُ إيجَابًا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَوْجِيهٍ آخَرَ كَتَوْجِيهِ صَاحِبِ الْفَرَائِدِ مَعَ أَنَّهُ بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ تَتَبَّعْ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَعْلَمَا) أَيْ الْعَاقِدَانِ (مَعْنَاهُمَا) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ مُسْتَقْبَلًا أَوْ أَمْرًا مُرَادًا بِهِ الْإِيجَابُ إذْ حِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ بِدُونِ الْعِلْمِ، ثُمَّ إنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْعَقِدُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مَعْنَاهُمَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مَعَ الْهَزْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ.
(وَلَوْ قَالَ: دادي أَوْ يذيرفتى. فَقَالَ: داد، أَوْ يذيرفت. بِلَا مِيمٍ) مُتَّصِلَةٍ بِهِمَا (صَحَّ) الْعَقْدُ لِمَكَانِ الْعُرْفِ فَإِنَّ جَوَابَ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ قَدْ يُذْكَرُ بِالْمِيمِ وَبِدُونِهِ وَالْمِيمُ أَحْوَطُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا: داد. بِدُونِ قَوْلِهِ: يذيرفت. إلَّا إذَا أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: دادي. التَّحْقِيقُ دُونَ السَّوْمِ وَأَمَّا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا: ده.
وَقَالَ الْآخَرُ: دادم، أَوْ داد. فَيَكُونُ نِكَاحًا؛ لِأَنَّ: ده. أَمْرٌ وَتَوْكِيلٌ مِثْلُ زَوِّجْنِي وَإِلَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِدُونِ قَوْلِهِمَا: بزنى .
وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُذَكَّرَ لِتَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا (كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ) فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِمَا: فروخت وخريد بِلَا مِيمٍ بَعْدَ: فروختي وخريدي.
(وَلَوْ قَالَا عِنْدَ الشُّهُودِ) جَمْعُ شَاهِدٍ مَعَ كِفَايَةِ الشَّاهِدَيْنِ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ فِي النِّكَاحِ وَلَوْ تَرَكَ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْكَلَامَ هَهُنَا فِيمَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ وَمَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ لَا فِي شُرُوطِهِ مَعَ أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطُ الْكُلِّ ( مازن وشويم) أَيْ نَحْنُ زَوْجَانِ وَلَفْظُ زن عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الزَّوْجَةُ كَمَا أَنَّ شوى مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجِ (لَا يَنْعَقِدُ) عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا إذَا قَالَ هَذِهِ امْرَأَتِي وَقَالَتْ هَذَا زَوْجِي لَا يَنْعَقِدُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إظْهَارٌ لِمَا هُوَ ثَابِتٌ، وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ وَصُحِّحَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ بِالْإِقْرَارِ بِمَحْضَرِ الشُّهُودِ صَحَّ النِّكَاحُ وَجُعِلَ إنْشَاءً وَإِلَّا فَلَا.
وَفِي الْفَتْحِ إذَا أَقَرَّا بِهِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نِكَاحٌ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا إذَا قَالَ الشُّهُودُ جَعَلْتُمَا هَذَا نِكَاحًا فَقَالَا نَعَمْ.
(وَإِنَّمَا يَصِحُّ) النِّكَاحُ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَائِرِ الشُّرُوطِ (بِلَفْظِ نِكَاحٍ) وَإِنْكَاحٍ (وَتَزْوِيجٍ)؛ لِأَنَّهُمَا صَرِيحَانِ فِيهِ (وَمَا وُضِعَ) أَيْ يَصِحُّ بِلَفْظٍ هُوَ مَوْضُوعٌ (لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَحُكِيَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مُطْلَقًا وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ إنْ قُيِّدَتْ بِالْحَالِ كَمَا إذَا قَالَ أَوْصَيْتُ بِابْنَتِي لَكَ الْآنَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا فِي لَفْظِ الْمُصَنِّفِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ عَدَمِ مَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فِي الْحَالِ مَجَازٌ بِقَرِينَةِ الْآنَ إلَّا أَنْ يَبْنِيَ الْكَلَامَ عَلَى ثُبُوتِ الْوَضْعِ فِي الْمَجَازِ وَيُرَادُ مِنْ الْوَضْعِ هَاهُنَا أَعَمُّ مِنْهُ لَكِنَّهُ بَعِيدُ تَأَمُّلٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ (كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ) عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا (وَهِبَةٍ)، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَهُوَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ كَمَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ: وَهَبْتُ نَفْسَكِ مِنْكِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِضِدِّهِ، قُلْنَا وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ: تَزَوَّجِي إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ تَطْلُقُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ النِّكَاحِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَعْنَى غَيْرُ مَانِعٍ كَمَا قَالُوا.
وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ طَلَبَ مِنْ امْرَأَةٍ زِنًا فَقَالَتْ: وَهَبْتُ نَفْسِي مِنْكَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَقَبِلَ الزَّوْجُ لَا يَكُونُ نِكَاحًا؛ لِأَنَّ هَذَا تَمْكِينٌ مِنْ الزِّنَا، وَلَيْسَ بِهِبَةٍ حَقِيقَةً (وَصَدَقَةٍ وَتَمْلِيكٍ) وَعَطِيَّةٍ وَمِلْكٍ وَجُعْلٍ وَفِي الِانْعِقَادِ بِلَفْظِ السَّلَمِ إنْ جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ مُسْلَمًا فِيهَا خِلَافٌ قِيلَ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَالسَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ يَنْعَقِدُ حَتَّى لَوْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ مِلْكًا فَاسِدًا، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُفْسِدُ الْحَقِيقِيَّ يُفْسِدُ الْمَجَازِيَّ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ لَا يَصِحُّ وَأَمَّا إذَا جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فَيَنْعَقِدُ إجْمَاعًا.
وَفِي الصَّرْفِ قَوْلَانِ قِيلَ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِإِثْبَاتِ مِلْكِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ مِنْ النَّقْدِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُنَا يَتَعَيَّنُ وَقِيلَ يَنْعَقِدُ بِهِ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ مِلْكَ الْعَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي فِي الْمُخْتَصَرِ، وَكَذَا يَنْعَقِدُ فِي الْقَرْضِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ التَّمْلِيكَ كَلَفْظِ الْهِبَةِ.
وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ كَمَا فِي الْكَشْفِ وَالْوَلْوالِجِيَّة؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْحَيَوَانَاتِ فَلَا يَصِيرُ سَبَبًا لِحُكْمِ النِّكَاحِ انْتَهَى، وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْمَعْنَى فِي الْمَجَازِ عِنْدَ الْإِمَامِ.
وَفِي جَامِعِ الْفِقْهِ أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِالْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ حَالًّا إنْ ذَكَرَ الْمَهْرَ وَإِلَّا فَبِالنِّيَّةِ، انْتَهَى، وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الشُّهُودِ وَلَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَى النِّيَّاتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِالنِّيَّةِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ، أَوْ يَدَّعِي كِفَايَةَ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الشُّهُودِ بِهَا وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ (لَا بِإِجَارَةٍ) أَيْ لَا يَنْعَقِدُ إذَا قَالَ آجَرْتُكَ بِنْتِي بِكَذَا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَا وُضِعَتْ لِتَمْلِيكِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ وَإِنَّمَا وُضِعَتْ لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ مُؤَقَّتًا وَالنِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا مُؤَبَّدًا حُكِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ انْعِقَادُهُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ أَمَّا إذَا جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ أُجْرَةً فَيَنْعَقِدُ اتِّفَاقًا (وَإِبَاحَةً وَإِعَارَةً) أَيْ لَا يَنْعَقِدُ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْفِدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْفَسْخِ وَالْإِقَالَةِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْإِحْلَالِ وَالرِّضَى وَالْإِجَازَةِ الْوَدِيعَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْضُوعَةً لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِإِضَافَتِهِ لِجُزْءٍ شَائِعٍ فِي الصَّحِيحِ.
وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ خِلَافُهُ، وَكَذَا لَا يَنْعَقِدُ بِأَلْفَاظٍ مُصَحَّفَةٍ كَتَجَوَّزْتُ مَكَانَ تَزَوَّجْتُ كَمَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الدِّيَارِ مِنْ الْعَوَامّ عَلَى طَرِيقِ الْغَلَطِ أَمَّا لَوْ اتَّفَقَ قَوْمٌ عَلَى النُّطْقِ بِهَذِهِ الْغَلْطَةِ بِحَيْثُ إنَّهُمْ يَطْلُبُونَ بِهَا الدَّلَالَةَ عَلَى حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ وَتَصْدُرُ عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ مِنْهَا فَفِيهِ قَوْلٌ بِانْعِقَادِ النِّكَاحِ بِهَا حَتَّى أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَمَّا صُدُورُهَا لَا عَنْ قَصْدٍ إلَى وَضْعٍ جَدِيدٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ طَلَبُ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ وَإِرَادَتِهِ فَبِمُجَرَّدِ الذِّكْرِ لَا يَكُونُ الِاسْتِعْمَالُ صَحِيحًا فَلَا يَكُونُ وَضْعًا جَدِيدًا كَمَا فِي التُّوَيْجِ وَعَلَى هَذَا يَنْعَقِدُ بِاللُّغَةِ الْأَعْجَمِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَصْدُرُ عَمَّنْ تَكَلَّمَ بِهَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ وَاسْتِعْمَالٍ رَجِيحٍ بِخِلَافِ لَفْظِ تَجَوَّزْتُ فَإِنَّهُ يَصْدُرُ لَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ بَلْ عَنْ تَحْرِيفٍ وَتَصْحِيفٍ فَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا (وَوَصِيَّةٍ) أَيْ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ وَصِيَّةِ وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهُ.

.شروط صحة النكاح:

(وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ النِّكَاحِ (سَمَاعُ كُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ) سَوَاءٌ كَانَا زَوْجَيْنِ، أَوْ غَيْرَهُمَا لَكِنْ يُشْكِلُ الْإِطْلَاقُ بِنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ وَبِمَا إذَا ذَكَرَ الزَّوْجُ اسْمَ امْرَأَةٍ غَائِبَةٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِيهِ مَا فِيهِ، تَدَبَّرَ.
(لَفْظَ الْآخَرِ) حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا كَتَبَ رَجُلٌ وَأَشْهَدَ جَمَاعَةً فَأَوْصَلُوا الْكِتَابَ إلَى امْرَأَةٍ فَقَرَأَتْهُ عِنْدَهُمْ فَقَبِلَتْ عِنْدَهُمْ ذَلِكَ التَّزْوِيجَ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ كَالْخِطَابِ خِلَافًا لَهُمَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَمْيِيزُ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ حَكَوْا فِيهِ اخْتِلَافًا.
وَفِي الْبَحْرِ فِي صَغِيرَيْنِ قَالَ أَبُ أَحَدِهِمَا زَوَّجْتُ بِنْتِي هَذِهِ مِنْ ابْنِكَ هَذَا وَقَبِلَ، ثُمَّ ظَهَرَتْ الْجَارِيَةُ غُلَامًا وَالْغُلَامُ جَارِيَةً جَازَ ذَلِكَ وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ لَا يَجُوزُ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الشَّاهِدَيْنِ لِلْمَرْأَةِ وَلَا رُؤْيَةُ وَجْهِهَا فَلَوْ سَمِعَا صَوْتَهَا مِنْ بَيْتٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَيْرُهَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُتَنَقِّبَةً جَازَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَالِاحْتِيَاطُ حِينَئِذٍ أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا، أَوْ يَذْكُرَ أَبُوهَا وَجَدُّهَا وَتُنْسَبُ إلَى الْمَحَلَّةِ إلَّا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ الشُّهُودِ وَعَلِمَ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَرَادَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ لَا غَيْرَ.
وَقَالَ الْخَصَّافُ لَوْ غَابَتْ جَازَ بِذِكْرِ الِاسْمِ بِلَا مَعْرِفَتِهِمَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ كَانَ لَهَا اسْمَانِ اسْمٌ فِي صِغَرِهَا وَآخَرُ فِي كِبَرِهَا تَزَوَّجَ بِالْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَعْرُوفَةً بِهِ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ بِنْتَانِ كُبْرَى اسْمُهَا عَائِشَةُ وَصُغْرَى اسْمُهَا فَاطِمَةُ فَقَالَ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي فَاطِمَةَ وَهُوَ يُرِيدُ عَائِشَةَ لَا يَنْعَقِدُ إذَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهَا وَقِيلَ يَنْعَقِدُ عَلَى فَاطِمَةَ وَلَوْ قَالَ بِنْتِي فَاطِمَةَ الْكُبْرَى قَالُوا يَجِبُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ عَلَى إحْدَاهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(وَ) شُرِطَ أَيْضًا (حُضُورُ) شَاهِدَيْنِ فَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ وَعَنْ قَاسِمٍ الصَّفَّارِ وَهُوَ كُفْرٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَهَذَا كُفْرٌ،.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ يُعْرَضُ عَلَى رُوحِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَيَعْرِفُ بِبَعْضِ الْغَيْبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (حُرَّيْنِ) عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَ الْقِنَّيْنِ وَالْمُكَاتَبَيْنِ وَالْمُدَبَّرَيْنِ (أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (مُكَلَّفَيْنِ) عَلَى لَفْظِ الْمُثَنَّى الْمُذَكَّرِ لِأَنَّ الْحُرَّتَيْنِ فِي حُكْمِ الْحُرِّ فَيَصِحُّ عِنْدَ سَكْرَانَيْنِ يَعْرِفَانِ النِّكَاحَ وَإِنْ لَمْ يُذَكَّرَا عِنْدَ الصَّحْوِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ بِحُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَ صَبِيَّيْنِ وَمَجْنُونَيْنِ وَلَا عِنْدَ مُرَاهِقَيْنِ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ.
وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَجُوزُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ إذَا أَعْلَنُوا وَلَوْ بِحُضُورِ الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» فَيَجِبُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ بِلَا شُهُودٍ، تَدَبَّرْ.
(مُسْلِمَيْنِ إنْ) كَانَتْ (الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً) إذْ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَ الذِّمِّيَّيْنِ يَنْعَقِدُ بِلَا شُهُودٍ كَمَا قَالُوا لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا يُلْزِمَانِهِمْ أَحْكَامَنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ بِلَا شُهُودٍ عِنْدَهُمَا، تَدَبَّرْ.
(سَامِعَيْنِ مَعًا لَفْظَهُمَا) أَيْ لَفْظَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (فَلَا يَصِحُّ إنْ سَمِعَا مُتَفَرِّقَيْنِ) بِأَنْ يَسْمَعَ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا وَالْآخَرُ آخِرًا وَالْمَجْلِسُ مُتَّحِدٌ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَجَازَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ.
وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ فِي مَجْلِسَيْنِ لَمْ يَجُزْ بِالِاتِّفَاقِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا قِيلَ يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ وَإِنْ صُحِّحَ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَهُمَا كَمَا لَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ الْأَصَمَّيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَصَمَّ فَسَمِعَ الْآخَرَ، ثُمَّ خَرَجَ وَأَسْمَعَ صَاحِبَهُ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا لَا يَنْعَقِدُ عَنْ الْأَخْرَسَيْنِ إلَّا إذَا كَانَا سَامِعَيْنِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ السَّعْدِيُّ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الشَّرْطُ حَضْرَةُ الشَّاهِدَيْنِ دُونَ السَّمَاعِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فَهْمُ الْمَعْنَى كَذَا ذَكَرَهُ الْبَقَّالِيُّ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِالْعَرَبِيَّةِ وَالزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ يُحْسِنَانِ الْعَرَبِيَّةَ وَالشُّهُودُ لَا يَعْرِفُونَ الْعَرَبِيَّةَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ، وَفِي النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فَهْمُ الشُّهُودِ أَنَّهُ نِكَاحٌ وَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ الْهِنْدِيَّيْنِ وَلَمْ يَفْهَمَا كَلَامَهُمَا لَمْ يَجُزْ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ هُوَ الصَّحِيحُ (وَجَازَ كَوْنُهُمَا فَاسِقَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ) بِلَا تَوْبَةٍ لِأَهْلِيَّتِهِمَا تَحَمُّلًا لَا أَدَاءً خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ قَبُولَ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْفَاسِقُ وَالْمَحْدُودُ وَيَخْرُجُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْعَبْدُ (أَوْ أَعْمَيَيْنِ) وَلِلشَّافِعِيِّ فِي أَعْمَيَيْنِ وَجْهَانِ فِي وَجْهٍ تُقْبَلُ، وَفِي وَجْهٍ لَا (أَوْ ابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ) وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ نُقِلَ عَنْ الْمُنْتَقَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ (أَوْ ابْنَيْ أَحَدِهِمَا) لِوُجُودِ أَهْلِيَّةِ التَّحَمُّلِ (وَلَا يَظْهَرُ) ثُبُوتُ الْعَقْدِ عِنْدَ الْحُكَّامِ (بِشَهَادَتِهِمَا عِنْدَ دَعْوَى الْقَرِيبِ) وَإِنْكَارِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِنَفْعِ الْقَرِيبِ فَإِنْ كَانَ الِابْنَانِ مِنْهُمَا لَا تُقْبَلُ لَهُمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ أَحَدِهِمَا لَا تُقْبَلُ لَهُ وَتُقْبَلُ عَلَيْهِ وَلَوْ تَرَكَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةُ الشَّهَادَةِ قَدْ ذُكِرَتْ فِي مَوْضِعِهَا فَلَا يَخْلُو عَنْ تَكْرَارٍ.
(وَصَحَّ تَزَوُّجُ مُسْلِمٍ ذِمِّيَّةً) كِتَابِيَّةً (عَنْ ذِمِّيَّيْنِ) كِتَابِيَّيْنِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ شُرِطَتْ فِي النِّكَاحِ لِأَجْلِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ لَا لِأَجْلِ الْمَهْرِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ (وَلَا يَظْهَرُ بِشَهَادَتِهِمَا) أَيْ الذِّمِّيَّيْنِ (إنْ ادَّعَتْ) الذِّمِّيَّةُ وَجَحَدَ الْمُسْلِمُ وَبِالْعَكْسِ يَظْهَرُ.
(وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ صَغِيرَتَهُ فَزَوَّجَهَا عِنْدَ رَجُلٍ)، أَوْ امْرَأَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ امْرَأَةً شُرِطَ حُضُورُ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى (إنْ كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا انْتَقَلَ عِبَارَةُ الْوَكِيلِ إلَى الْأَبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ وَالْوَكِيلُ مَعَ ذَلِكَ الرَّجُلِ شَاهِدَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
وَفِي النِّهَايَةِ خِلَافُهُ وَهُوَ إمْكَانُ جَعْلِ الْأَبِ شَاهِدًا مِنْ غَيْرِ نَقْلِ عِبَارَةِ الْوَكِيلِ إلَيْهِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ثَمَرَةِ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَكِنْ فِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ حَاضِرًا (لَا) يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَنْ يُجْعَلَ مُبَاشِرًا لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ.
(وَكَذَا) يَصِحُّ الْعَقْدُ (لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ بَالِغَةً عِنْدَ رَجُلٍ) وَاحِدٍ (إنْ حَضَرَتْ) الْبَالِغَةُ (صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ إذَا حَضَرَتْ صَارَتْ كَأَنَّهَا عَاقِدَةٌ وَالْأَبُ وَذَلِكَ الرَّجُلُ شَاهِدَانِ (وَإِلَّا فَلَا) يَصِحُّ، وَكَذَا الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ امْرَأَةً بِحَضْرَةِ شَاهِدٍ عِنْدَ حُضُورِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا أَوْ غَيْرَ عَاقِلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَاهِدٍ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ بِالتَّزَوُّجِ وَهُوَ حَاضِرٌ قِيلَ لَيْسَ بِشَاهِدٍ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فَكَأَنَّهُ الْمُزَوِّجُ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ شَاهِدٌ إذْ الْإِذْنُ لَهُ لَيْسَ بِوَكَالَةٍ بَلْ فَكِّ حَجْرٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، ثُمَّ إذَا وَقَعَ التَّجَاحُدُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَلِلْمُبَاشِرِ أَنْ يَشْهَدَ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَقَدَهُ بَلْ قَالَ هَذِهِ امْرَأَتُهُ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَنَحْوِهِ وَلَوْ بَيَّنَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ.
وَفِي الْفَتَاوَى بَعَثَ أَقْوَامًا لِلْخِطْبَةِ فَزَوَّجَهَا الْأَبُ بِحَضْرَتِهِمْ فَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي جَعْلِ الْكُلِّ خَاطِبِينَ فَيُجْعَلُ الْمُتَكَلِّمُ خَاطِبًا فَقَطْ وَالْبَاقِي شُهُودًا كَمَا فِي الْفَتْحِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ عَدَمُ الْجَوَازِ.